Sunday, April 29, 2007

وجوه: غبريال يارد








في ذلك اليوم من عام 1949 ولدت في بيروت روح موسيقية بامتياز.
اعتبر غبريال يارد ابنا ضالا في جو عائلي لا يهتم بالموسيقى.
شغفه المبكر جعل ابن الست سنوات يطالب والده بآلة اكورديون، مهددا بالانتحار تحت عجلات الترامواي اذا لم يتحقق مطلبه.
لم تكن الحياة في المدرسة الداخلية للآباء اليسوعيين سهلة للطفل الذي افتقد حنان و رعاية اهله حياة امتدت من سن الرابعة الى الرابعة عشرة لم يؤنس شعوره بألم الوحدة فيها سوى نصف ساعة اسبوعية من دروس البيانو .
تابع يارد باهتمام الدروس غير عابئ بملاحظات استاذه الذي اعتبر ان لا مستقبل واعد للطفل في عالم الموسيقى.
و فيما كان زملاء الصف يجدون متعتهم في قراءة الروايات كان غابريال الصغير يلتهم بنهم لا محدود كتب النوطات الموسيقية، يقرأ و يفكك شيفرتها حتى تحولت النوطة الى ابجدية اخرى الى متعة اخرى جعلت من الموسيقى خبزه الروحي اليومي، هو الذي كان يعرف و منذ نعومة اظفاره انه يريد ان يكون مؤلفا موسيقيا.
لكن رياحه جرت بما لا تشتهيه سفينة والده، الذي كان يريد لأبنائه مهنا لامعة تقيهم شر الحياة .
رضخ يارد لارادة الاب، و دخل كلية الحقوق التي لم يتمم دراسته فيها و كان يقتل ضجر المادة الدراسية الجافة بلجوئه الى كنيسة مجاورة يعزف فيها على البيانو عند انتهاء اليوم الدراسي ملاحقا بذلك عطشه الدائم الى عالم الموسيقى.
كان الشعور بالحاجة الى الاستقلالية قد بدأ يسيطر عليه عندما دعي في سن السابعة عشرة الى مهرجان الاغنية في البرازيل لمدة 15 يوما حيث كانت انطلاقته الاولى بحصوله على جائزة المرتبة الثالثة عن تأليفه لموسيقى
Life some without
رحلة الخمسة عشر يوما، دامت سنتين. تعلم البرتغالية في شهر واحد و عاشر اهم الموسيقيين و الف فرقة من ستة عازفين تقدم عروضا في احدى اشهر الحانات حيث كان يعزف ليلا ما يقوم بتأليفه نهارا.
اراد الاستقرار في البرازيل و قدم طلبا للحصول على الجنسية و عاد الى لبنان ليودع اهله ورفاقه مرورا بباريس التي بقي فيها حتى اليوم.
و اذا كانت البرازيل قد طبعته بسحر ايقاعها ذات المزيج الموسيقي الذي يظهر في الكثير من اعماله، فإن باريس كانت قد رسمت له قدرا آخرمختلفا عن كل تصوراته.
عصامي هو غبريال ياردبنى نفسه بنفسه و لقن نفسه اصول الموسيقى و تاريخها و ارثها الكلاسيكي . بدأ في فرنسا مرحلة جديدة اقتصرت لمدة سبع سنوات على التجويق الموسيقي .
لم ينتم يارد الى معهد موسيقي بل خرج بتلقائية موهبته الى عالم التاليف و انجز عددا كبيرا من الاغنيات لنجوم الفن الفرنسي امثال شارل ازنافور، ميراي ماتيو، جوني هاليداي، سيلفي فارتان و غيرهم الكثير.
لكن هاجس التاليف الموسيقي الكلاسيكي لم يفارقه فملّ سريعا من التجويق و الاغاني حتى قادته الصدفة الى المخرج الفرنسي الكبير جان لوك غودارالذي كان يبحث عن مؤلف موسيقي يعيد توزيع احدى المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية لفيلمه (فرار)
لكن يارد رفض العرض مشترطا العمل كمؤلف موسيقي يتصرف بموسيقاه كما يريد و مشى.
اصدقاء يارد و زملاؤه في العمل اتهموه بالجنون لرفضه عرضا من مخرج كبير لكن غودار عاد ليتصل بيارد تاركا له حرية العمل و الابداع.
و من هنا كرت السبحة ليصبح في رصيد يارد اكثر من ستين موسيقى تصويرية سينمائية و يصبح معها من اهم المؤلفين الموسيقيين العالميين في مجال الافلام السينمائية .
و المفارقة ان لا شيء كان ينبئ بوصول يارد الى هذا المكان فهو لا يهوى السينما و لا يشاهد الافلام و تزعجه الصور على الشاشة كما انه لا يملك ثقافة سينمائية انه مؤلف موسيقي فحسب.
هكذا و منذ العام 1980 كرس نفسه للتاليف الموسيقي السينمائي متبعا بذلك طقوسا لم تعهدها السينما من قبل، فهو يرفض مشاهدة الفيلم قبل التاليف و يفضل قراءة السيناريو و التحدث مع المخرج قبل ان يباشر العمل.

يفضل كما يقول عدم تلويث روحه بصور الافلام لانها ليست مصدرا للوحي بل يعتمد على الصور الداخلية التي ترسلها المخلية فقط لا غير و يعتبر ان الموسيقى "ليست شيئا يخترعه الانسان و انما هي شيء يسمعه و يتلقاه في صمته".
الجوائز الكثيرة التي نالها عالميا عن العديد من افلامه لم تفقده تواضعه و انسانيته حتى عندما حصل على الاوسكار عن فيلم المريض الانكليزي للمخرج انطوني مينغيلا عام 98 ربما هو ايمانه بالموسيقى كرسالة اساسية في الحياة و عبرها يلاقي البشر خلاصهم.
لا يعطي يارد اهتماما خاصا بالوحي و انما يؤمن بان عمل الموسيقي يشبه عمل اي حرفي عليه بالاستيقاظ باكرا و العمل لساعات طوال ليتمكن من الحصول على نتيجة جيدة.
علاقته مع الموسيقى الشرقية اختلفت باختلاف مراحل حياته، في فترة اعتبرها كئيبة و مملة و ذلك لارتباطها ربما بمراحل مؤلمة من طفولته، لكنه اعاد اكتشافها عند انتقاله الى فرنسا عندما اهدته جدته كتابا بعنوان مؤتمر القاهرة 1932 و فيه تدوين لجميع الايقاعات و المقامات هذا الكتاب الذي وضعه كبار المؤلفين الموسيقيين في الشرق .
تعيش موسيقى الشرق في عروقه في لاوعيه و تبرز واضحة من دون قصد منه في معظم اعماله.
الفشل بالنسبة له ضروري لمحاسبة الذات و درب النجاح هي الثقة و الاتكال على النفس.
"نوطات الموسيقى السبع الاساسية ،مثل ايام الاسبوع السبعة ، نعمة الهية".

Sunday, April 1, 2007